الأحد، 3 ديسمبر 2017
ديسمبر 03, 2017

تقرير : متحف الغيضة .. وكنوز مهرية تصارع الاندثار





متحف الغيضة .. ما بين الإهمال الشديد 
والمخاض العسير لحفاظ ما تبقى من كنوز تاريخية مهرية لا تقدر بثمن 
التقرير / عمر علمي نيمر 


متحف الغيضة .. التأسيس 
لم يكن في بلاد المهرة قديما متاحف او دور لتوثيق وحفظ المقتنيات وما تركه الأجداد ، ولكن كان التوثيق وحفظ يتم عند الأسر والبيوتات المعروفة ، ناهيك عن وثائق المراسلات بين السلطنات ، والتي كانت يتم حفظها عادة عند اسرة معينة . 

تأسس متحف الغيضة في عام 1987م ، ويتكون المتحف من أربعة أجنحة وهي : 
1- الجناح السياسي والتاريخي لسلطنة المهرة ويتضمن أيضا وثائق خاصة بالاستقلال عام 1967م.
2- جناح التاريخ البحري ، يتضمن آثار ومقتنيات الخاصة بالتراث البحري التاريخي للمحافظة ، فالمهرة اشتهر منهم بحارة وملاحيين خلدوا أعمالهم في أمهات الكتب أمثال سليمان بن أحمد المهري ، البحار والفلكي الذائع الصيت ، والذي لقب بمعلب البحر لغزارة علمه وتمكنه في هذا المجال  ، وغيرهم .
3- الجناح الثالث يحتوي على الموروث الشعبي من العادات والتقاليد .
4- الجناح الرابع يتضمن الآثار والعصر والحجري ورسومات ومخربشات ونقوش جدارية. 

متحف الغيضة .. والتعاون المفقود 
تشتهر المتاحف محليا وعالميا من خلال أنشطتها المتعددة ، وتعاونها مع المتاحف والمراكز الأخرى ، ومتحف الغيضة يكاد ينعدم عنده ذلك الأمر ، فليس هناك تعاون مع المراكز والمتاحف الأخرى ، ولم نسمع طلية العشر السنوات الأخيرة - وربما أكثر - أن المتحف له مجالات تعاون وتنسيق علمي مع المراكز والمتاحف الأخرى في أي مجال أكان نشاط توثيقي او حتى تدريب موظفي المتحف في أفضل الوسائل والطرق لحفظ المقتنيات الأثرية ، وترتيبها وتنسيقها وترميمها والبحث عنها . 

المتحف واهمال السلطة 
قد يتقبل أحدنا أن الدولة في المركز لا تهتم بالمتاحف وبالأثار ، ولكن أن نرى عدم اهتمام متحف الغيضة من قبل السلطة وهم المعنيين بهذا الأمر فهذا الذي لا يتقبله العقل ، هل يعقل أن تهمل تاريخ أمة من قبل أبناءها ، ولماذا الاهتمام على أمور ثانوية وترك الهوية والتاريخ في مهب الريح . 

للأسف لا نرى تكاتف الجميع من السلطة والشيوخ والاعيان والمثقفين في الاهتمام بتاريخ المهرة وبأثارها من خلال حفظ المقتنيات ، ورصد الاثار وتدريب الباحثين والمهتمين والعاملين في مجال المتاحف والتوثيق ، ناهيك عن الكتابة والتدوين عن ما في اليد ، وطباعة الكتب ، ومشاركة المهرجانات لتسويق الحضارة الضارية في القدم . 


الموروث الشعبي والتوثيق
محافظة المهرة تزدخر بالموروث الشعبي والعادات والتقاليد ، كالألعاب والاهازيج والرقصات الشعبية المتنوعة التي تصور حياة الانسان المهري في حقب تاريخيه مختلفة ، الا أنه لم يتم جمع المقتنيات وكل ما يتعلق بالموروث الشعبي ، ولم يخصص لهذا الأمر أي ميزانية ، فالكثير من البيوتات والمواطنين ما زال بحوزتهم الحلي والملبوسات والاواني ، وكان يجب على السلطة تخصيص ميزانية لشرائها وحفظها وتوثيقها قبل أن تندثر وتعرف الحياة العصرية طريقها في حياة الناس ، فتتبع الموضة والأفكار الدخيلة خطر يهدد كل موروث شعبي ما لم يتم كتابته وتدوينه قبل فوات الأوان . 


الباحثين الأوربيين أكثر اهتماما من المهرة 
عند الحديث عن التاريخ المعاصر لبلاد المهرة يظهر على السطح الاهتمام الكبير من قبل المستشرقين والباحثيين الأوربيين ، كالروس والفرنسيين والبريطانيين والألمان ، واهتمامهم بدأ منذ عام 1987م ، يرسلون البعثات العلمية تلو والأخرى ، مثل البعثة العلمية الفرنسية برئاسة مير كلود سيمون من جامعة السوربون ، كذلك الخدمات العلمية والمعلومات اللغوية والتاريخية والاثرية للباحث الروسي فيتالي ناوماكين عن تاريخ المهرة  وسقطرى ، ولا ننسى الباحث الأمريكي سام ليبهابر في مجال الشعر المهري .

كل ذلك الاهتمام الأوروبي المشرق يقابله جفوة وقسوة وانكار من قبل أبناء هذا التاريخ والحضارة العريقة ، فالمهرة لا يلقون بالا بما حباهم الله ، وانعمه عليهم ، وخصه دون غيرهم من الشعوب ، والأجدر أن نجد اهتمام وحب وعشق لما تركه الأجداد ، فلا فائدة من التغني بها وسرد تاريخ أهمل ولم يجد من ينتشله من الواقع المؤلم . 

كنوز مهملة لا تقدر بثمن 
يتساءل البعض ، ما هي محتويات متحف الغيضة ، لا يعلم الكثيرون من أبناء المهرة مقتنيات المتحف وما يحتويه من كنوز لا تقدر بثمن ، فالمتحف فيه مسكوكات ونقود يمنية قديمة ، ناهيك عن ريالات " ماريا تريزا " وهي عملة نمساوية كان يتعامل بها في سلطنة المهرة ، كما يوجد في المتحف الرسومات والصور الفوتوغرافية القديمة والخاصة بتاريخ المهرة ، ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مهرة بن حيدان ، أيضا في المتحف جوازات سفر للسلطنة المهرية ، واختام وطوابع بريدية ، واواني . 

مواقع أثرية 
نشرت 14 أكتوبر في عام 2006م خبرا يفيد اكتشاف 240 موقعا اثرياً تعود الى العصر الحجري والعصر الاسلامي حيث وجدت تجمعات سكنية قديمة ومقابر في شيرق احد المواقع الاثرية كما اكتشف طريق تجاري قديم لبيع اللبان والبخور يؤدي الى مدينة صنعاء القديمة طريق اخر يؤدي الى الشام كما وجدت بعض النقوش الاثرية والاواني المعدنية التي عليها نقوش تمثل تلك العصور القديمة اضافة الى فنون العمارة اليمنية القديمة التي تعود الى ثلاثة آلاف عام كما وجدت في هذه المواقع المكتبات القديمة التي تحتوي على آلاف الكتب والمخطوطات القديمة كما اكتشفت البعثة في مطلع هذا العام 2006م آثاراً من عصر الدولة الاسلامية زخرفة العمارة والبناء بالرخام الابيض والاهتمام بالتشكيلات والتكوينات الزخرفية " . 

فمحافظة المهرة غنية بالأثار التاريخية ، والمعالم الأثرية الكبيرة والمنتشرة في جميع مديريات المحافظة ، مثل منطقة " عرقيب " التي عثر عليها مواقع تعود الى العصر البرونزي في مناطق قديفوت ، وكذلك المساجد السبعة التي تعود للقرن الخامس والسابع الهجري ، وكدمة يروب ، ومستوطنة حبروت ، وقصر السلطنة العفرارية ، وحصن خيبل ، وحصن دوحل ، والمجلس القبلي بالغيضة ، وميناء خلفوت التاريخي ، وقلعة البحراني في حصوين ، وحصن بيت جيدح في قشن ، وحصن بيت مسمار ، وحصن الكافر بالمسيلة ، وموقع حيرج بسيحوت  ، ومزار الشيخ الجوهري ، الا ان الإهمال والجمود الثقافي الفظيع يسيطر على هذه الأرض الطيبة ، فالجهات المعنية والسلطة المحلية والمثقفين والباحثين والاكاديميين يضلون في صمت وكأن الأمر لا يعنيهم .  

جهود فردية
لم تخلو المهرة من عشاق للتاريخ والثقافة ، همهم الوحيد الحفاظ على الموروثات الأجداد وتسويق التاريخ والحضارة بأجمل الصور حتى وان لم يتلقوا الدعم من سلطة او حكومة ، منهم الباحث سالم ليحمر القميري الذي عمل دون كلل وملل ، فأسس بيت الموروث الشعبي ، يجمع بين ثناياه تركة عظيمة من مراحل تاريخيه قديمة ، حيث قسم الى اقسام ، جناح خاص بالمعروضات التاريخية ، وجناح للتاريخ البحري ، وهذا الجهد الفردي لم يكن حكرا عليه ، وانما هناك أسماء أخرى اسسوا متاحف صغيرة في بيوتهم ، يجمعون ما تقع على ايهم .

من يحمي المواقع والمعالم الاثرية 
في مقابلة خاصة أجرته صحيفة 26 سبتمبر مع الأخ عبد الحافظ سالم الحوثري مدير عام مكتب الهيئة والاثار والمتاحف في المهرة سابقا قال : من المشاكل والمعضلات التي تواجه نشاط ومهام عملنا , وفي محافظة المهرة يوجد أكثر من 90 موقعاً أثرياً وتاريخياً منتشرة في انحاء مديريات المحافظة لا نستطيع حمايتها بسبب عدم توفر حراس لهذه المواقع فهي تتعرض إلى النبش والتخريب وأيضا عدم وجود عقوبة رادعة تحد من هذه الجرائم التي تتعرض لها الهوية  التاريخية للإنسان اليمني ، و من أبرز هذه المعالم التاريخية قصر السلطنة العفرارية وحصن خيبل والمساجد السبعة بحصوين وهناك معالم ومواقع أثرية تعرضت للاعتداء من قبل أشخاص منها المجلس القبلي بالغيضة وحصن الكافر بالمسيلة وموقع حيرج بسيحوت " أ . هـ . 

لم يكفي هذه المواقع والمعالم الأثرية الإهمال من قبل السلطة ، حتى يجد التخريب طريقه الى تلك الكنوز التي لا تقدر بثمن ، علما أن حمايتها لا تقع على عاتق السلطة فقط وانما كل أبناء المهرة .


  ماذا يجب على إدارة المتحف
وجدت المتاحف في العالم لإبراز وتعريف الحضارات والتواريخ والاثار القديمة ليعرف الزائر عن كيفية عيش ذلك المجتمع ، والهدف من انشاء متحف الغيضة هو التعريف للزائرين عن ما تكتنزه محافظة المهرة من حضارة ، وإبراز تاريخ السلطنات التي تعاقبت عليها ، والموروث الشعبي .
المتاحف يجب أن يكون لها نطام معين في عملية الزيارات ، بحيث يكون لها تواقيت معينة يفتح فيها ويغلق ، ويمكن لإدارة متحف الغيضة أن تخصص أيام تتفق مع المدارس ليقوموا بالزيارة ، وليعرف الجيل الشاب عن تاريخ هذه الأرض ، كذلك إقامة او مشاركة المعارض والمهرجانات لعرض مقتنيات المتحف او أجزاء منها .
أيضا يستحسن من السلطة أن تجعل في المتحف في قائمة زياراتها ، وبشكل متكرر ، مما يجعل الاعلام يسلط الضوء على المتحف ومقتنيات ، ولا ننسى أن نشير أن زيارات الوزراء والسفراء والمسؤولين للمهرة يجب ان يستفاد منها بالطريقة المثلى ، كون المسؤول او الوزير من المحافظات الأخرى اذا زار المتحف فهذا تسويق له ، كما أن الزائر سيأخذ انطباع رائع عن هذه المحافظة وثقافة أهلها . 

للأمانة يجب أن نذكر الجهود الجبارة للإدارة الحالية للمتحف متمثلة بالأستاذ عامر سيلام قمصيت ، الذي لا يألوا جهدا في تطوير المتحف ، وابرازه ، ومتابعة كل ما يتعلق بالأثار . 




0 التعليقات:

إرسال تعليق