لقاء خاص مع المهندس سعيد هايل علي سيف
المشرف الأول على شق شبكة طرقات المهرة
حاوره / أحمد عبدالله بلحاف
في لقاء ً سبق وان نشر في صحيفة الاحقاف ، وها نحن نعيد نشر اللقاء مرة أخرى ، انصافاً للشخص الذي أعطى المهرة كل ما لديه ، وابرازا لجهوده الجبارة في هذه الأرض الطيبة ، ولإعلام الجيل الشاب لمثل هذه الهامات والشخصيات ذات الثقل في تاريخ المهرة المعاصر .
المهندس سعيد هايل علي سيف ، من مواليد 1940م ، طور الباحة ، لحج ، متزوج وله 5 ذكور وثلاث إناث ، بدأ عمله في مكيراس ، واشرف على طريق لودر مكيراس ( عقبة الثراء ) ، وبعدها كان مشرف مباني وطرق في الضالع خلال عامي 66-67م ، وهنا يحدثنا سعيد هايل عن بداية قدومه إلى المهرة ، ومشـوار شق الطـرق فـي محـافظــة الــمــهــرة والعراقيل والصعوبات والكثير من التفاصيل في هذا اللقاء .
في البداية ، متى كان قدومك إلى المهرة ، وكيف كانت الأجواء ؟
في عام 1968م بعد الاستقلال كان وزير الإشغال العامة فيصل بن شملان رحمة الله ، فقام بتكليفي للذهاب إلى المهرة ، وكان التكليف بناء على طلب القيادة في محافظة المهرة ، كون المهرة تنعدم فيها شبكات الطرق ، وكنت أتجهز للذهاب إلى سقطرى ، ولكن جاء تكليفي عكس ذلك ، فجهزت نفسي ، وأخذت معي من المعدات مكينة دي سكس واحدة ، وواحد كمبرهيشن ، ومجموعة سيارات من بقايا الانجليز ، وعلى العموم كانت المعدات قديمة ، ولكن لا يتوفر غيرها ، وبها ذهبت الى المهرة .
فانطلقنا الى المهرة ، وبعد 15 يوما وصلنا الى منطقة مرعيت ، وقابلنا الاخ عوض بن ديول كلشات ، وكان دليل طريقنا الى أن وصلنا الى الغيضة ، وقد استقبلنا في محافظة المهرة بحفاوة كبيرة من قبل القيادات والاهالي .
أي الطرق حضت أن تكون البداية في شقها ؟
أشارت القيادة في المحافظة بشق الطريق الغربية ( ضبوت ، نشطون ) ، فقمنا بالاستطلاع أنا والاخ ابوصبري ، وكان حينها الاخ المناضل علي محمد علي بلحاف رحمة الله قائدا لمنطقة ضبوت ، ومساعده الاخ سعيد خليفة ، ولكن الجو هناك لم يكن مهيئا للعمل لعدم توفر المياه ومستلزمات العمل لشق سلسلة تلك الجبال الصعب العمل فيها بمعداتنا البسيطة ،
ولا ننسى قلة العمال ، حيث كان لدينا 10 عمال فقط .
بعد ذلك رجعنا الى المحافظة المهرة ، وكان حينها الاخ محمد سالم عكوش محافظا ، واعتذرت عن العمل هناك .
لماذا اعتذرت عن العمل ؟
لعدم توفر الجو الملائم للعمل ، الا أنني وضعت مقترح لماذا لا نربط محافظة المهرة بحضرموت ، لأنني رأيت الطريق عندما قدمت الى المهرة ، واضافة الى ذلك لم تكن هناك الى ثلاثة سيارات تعمل بين المهرة وحضرموت .
من كانوا أصحاب تلك السيارات الثلاثة ؟
كانت للإخوة :
- عوض ديول كلشات
- مسلم رعفيت
- الرضة كلشات .
هل استجابة القيادة لمقترحك ، وماذا كانت النتيجة ؟
نعم استجابة القيادة في المحافظة للمقترح ، ذهبت انا والاخ أحمد سالم مخبال رحمة الله وجلبنا مكينة شق من محطة التاجر حضرموت ، واخذناها بعد موافقة محافظ حضرموت وقبل ان نبدأ شق الطريق من منطقة عرده بدأت باستطلاع الطريق مع الاخ أبو فتيلة الذي كان يجلب اللخم الى المهرة ، وركبنا على الجمال لاكتشاف طريق مختصر .
ومتى بدأتم العمل ؟
بعد يومين من الاستطلاع بدأنا العمل بشق الطريق من الوادي فقمة مرورا بوادي غبارية ووعشة والفرط باتجاه المهرة وكان إجمالي مسافة الطريق الذي تم شقه 45كم بعد ذلك قررنا العمل في الجهة الشرقية من المحافظة ، فذهبت الى الفتك ، حيث كان الطريق ينتهي هناك وبدأت بالاستطلاع كالعادة مشيا على الاقدام الى أن وصلنا الى حوف أنا والاخ محمد بن سلومة وهناك أستقبلنا الشيخ علي محمد بن ياسر رحمة الله ، والاخ المأمور عبدالله مزيرعي رحمة الله والاخ محسن علي ياسر ، ولكن لسوء الحظ عند انتهائنا من الاستطلاع ، وتجهيزنا للعودة مرة اخرى صادفنا الخريف المصحوب بالإمطار والسيول وهذا الذي جعلنا نظل في حوف أكثر من 15 يوما لانقطاع الطريق وهيجان البحر .
كانت تلك الأمطار فترة نقاهة وراحة لكم ، كيف فعلتم بعد تلك الفترة من التوقف ، هل واصلتم العمل ؟
نعم ، كانت فترة راحة إجبارية لنا إلا أننا بعد تلك الفترة واصلنا التحرك ، فعدنا مشيا على الأقدام الى الفتك ، ونقلت المعدات الى منطقة الفتك ، وبدأنا العمل خطوة بخطوة الا أن المعدات كانت تتعطل باستمرار ، ثم نبحث عن القطع من هنا وهناك كي نصلحها ، فنلقى المشقة في ذلك الا اننا لا ننسى جهود المواطنين وتعاونهم معنا فكانوا يقومون بالمبادرة لمساعدتنا حيث كانوا يقومون بإزالة الرمل في (منطقة بطح لبون) في الفتك بأيديهم ويستمرون في ذلك العمل الشاق طوعا من أخر الليل إلى الصبح نظرا لارتفاع الحرارة في النهار ولان البعض كان لديهم أشغالهم الحياتية وبدأت المرحلة الأخرى بردم الطريق بالحجار وكان كل ذلك على أظهر العمال دون أن يتغاضو مبالغا كثيرة ، لكن حبهم للخير وروح التعاون والعمل الطوعي لم يثنيهم عن شق ذلك الطريق .
قررت أنا والأخ محمد سالم الشراخ باستخدام طريقة التفجير لشق الطريق ، وفعلا بدأنا بتنفيذ الطريقة عبر استخدام الديناميت .
غير الأهالي ، وأهل الخير ، هل كانت هناك جهات دعمتكم في تلك الفترة ؟
نعم ، أعتُمد لنا اعتماد ضمن مساعدات الأمم المتحدة ( مواد غذائية ) ، وظل العمل جاريا حينها وتحسن نوعا ما ، وعندما كنا في منطقة حضاب التقينا الأخ علي سالم البيض والأخ فارس سالم ، وهم في طريقهم إلى حوف ومكثا يومان عندنا وقدمنا لهما معاناتنا وشكاوينا، وكان ذلك سببا في افتعال لي بعض المشاكل من قبل بعض العناصر القيادية في عدن كونهم ينزعجون من تلك الشكاوي .
هل أدى انزعاج العناصر القيادية في عدن إلى توقيف العمل ؟
لا ، لم يتوقف العمل ، أستمر العمل إلى أن وصلنا دمقوت ومن مما يستحضرني مر بنا 33 حاج من الهند ولكن القيادة في المحافظة في ذلك الوقت منعتهم من العبور وبينت لهم القيادة بالعودة إلى دبي والحج من هناك معبرة (اما هنا لا يوجد مكة أو مدينة ولكن يوجد مكة مكينة ) فمكث حجاج الهنود في منطقة دمقوت ، ومدوا لي يد العون في العمل وعملوا معي لمدة 3 سنوات.
وبعد أربعة سنين من العمل المستمر وصلت إلى منطقة المرارة ، وكان الجيش قد ساهم بالياته بشق الطريق من المرارة إلى منطقة (جار) وفي عام 1974م قام رئيس الوزراء علي ناصر محمد بافتتاح الطريق رسميا وانتقلنا بشق الطرق الفرعية في جبال حوف تحت إشراف الأخ سعيد محمد سعيد ( أبو نعيم ) ،ثم رجعنا إلى الغيضة وبدأنا العمل في طريق فرتك ، وكان الوضع قد تحسن من ناحية المعدات ، وفي تلك الفترة تم إيقاف مرتبي لمدة 8 أشهر من الوزارة بسبب المنازعات ، ولكني أكملت العمل بدعم من المحافظة وبجهود المواطنين أستمر العمل ،وخلال عام واحد قطعنا مسافة من ضبوت إلى حصوين ، وعملنا حسب الإمكانيات الموجودة لدينا حيث لم تكن لنا أي مخصصات للعمل حتى أن المحروقات كانت الشرطة تدعمنا بها وفي يوم الذي أكملنا فيه شق الطريق استخدمت لأول مرة القوات المسلحة كونها لا تستطيع أن تنزل على مطار الغيضة لأنه كان معرض للقصف الإيراني أيام الجبهة الشعبية ، وقد افتتح طريق فرتك رسميا عام 1975م من قبل وزير الإنشاءات والسفير الصيني .
بعد ذلك اتفقوا معي للإشراف على طريق ( سيحوت – قشن ) ،وكانت المعدات الجديدة قد جلبت إلى سيحوت وأخذت معداتي القديمة منطلقا إلى سيحوت عبر طريق حضرموت كمن يعمل التفافه طويلة ، وما أن وصلت سيحوت حتى استلمت المعدات وبدأت العمل من تلك النقطة متجها إلى قشن وتم استزياد عمال إلى أن وصل العدد 120 عاملا ، واستمر العمل المضني إلى أن وصلنا إلى عتاب ، وهناك تعرضت الإصابة بكسر يدي بسبب التفجير بالديناميت .
أصبت إثناء العمل بعد تفجير بالديناميت ، هل كانت حالتك خطرة ، حدثنا أكثر ؟
نعم أصبت أثناء العمل بكسر يدي بسبب التفجير بالديناميت فأسعفت إلى سيحوت ، ولم يكن هناك أي علاج ومكثت هناك 4 أيام لعدم وجود الطائرة التي كانت ستقوم بإسعافي إلى مكلا لتلقي العلاج فاضطروا لإسعافي عن طريق البر إلى مكلا , وفي مكلا أعتمد لي مدير المستشفى التذكرة إلى عدن ولكن لسوء حضي أقلعت الطائرة قبل وصول التذكرة ، مما استلزم أن انقل برا إلى عدن ووصلت إلى المستشفى الجمهوري الساعة 2 صباحا ، ومن هناك تواصلت مع الوزارة ، وأتى كلا من الوزير والوكلاء والعديد من المسؤولين من الوزارة لزيارتي ، وخضعت لعملية ولكنها فشلت ، فاضطروا أن ينقلوني إلى الهند وهناك تلقيت العلاج ، وبعد تلقي العلاج في الهند وتعافيت عدت إلى ارض الوطن ، وواصلت عملي في شق طريق سيحوت – قشن ، إلى أن تم استكمالها ، واتى دور الافتتاح رسميا من قبل رئيس الوزراء عام 1979م .
وبعدها انتقلنا للعمل في بادية سيحوت ، ومن قشن إلى كدحيم ، وبدأنا العمل في جهة أخرى وهي شق طريق حات – الغيضة ، وأكون بذلك أنهيت 950كم إجمالي الطرق التي اشرفت على شقها من عام 1969م – 1980م ، ومن بعد انتهاء شق الطريق تم تعيني مدير عام الأشغال في المحافظة إلى أن طلبت التقاعد عام 1994م .
كلمة أخيرة تختم بها اللقاء
أعتبر نفسي أحد أبناء محافظة المهرة أنا وأبنائي ، وأخي عبده سعيد الذي توفي وهو على عمله وبعض أبنائي الذين توفوا في هذه المحافظة .
وكما كنت أيضا أتمنى من القيادة في المحافظة ولو بتكريم بسيط ، ولكن اعتراف واحترام أبناء محافظة المهرة بجهد الذي بذلته أكبر تكريم لي ، لأنهم لا ينسون الجميل ، فهم إخوتي ولا يزال جميعهم يقدرونني ويعرفوني حق المعرفة وأشكر كل من عمل في هذه المحافظة تلك الفترة الصعبة واعتبر أن تلك الفترة هي امتحان لوطنية الإنسان ، والحمد لله أنني اجتزتها بنجاح ، وتعرفت على سكان المحافظة وهذا الذي استدعى أن اسكنها وانتمي اليها ، ولا أنسى أن أشكر جهودكم الجبارة في المجال الإعلامي .
ردحذفشركة تنظيف كنب بالخبر